شرح درس الإجارة الأركان والاحكام والشروط وانواعها والحكمة من مشروعيتها
اقتضت حكمة الله تعالى ان يجعل الناس متفاوتين في القدرات ، والإمكانات ،
قال تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )) [الزخرف : ٣٢]
كما اقتضت حكمته تعالى أن يحتاج الناس بعضهم لبعض لتحقيق الاستخلاف وعمارة الأرض ، قال تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلًَـكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ ﴾ [البقرة : ٣٠]
والإنسان اجتماعي بطبعه ، فلا يستطيع العيش منفردا، وكما لا يستطيع أن ينتج بنفسه كل ما يحتاج إليه من السلع والخدمات .
ولأن الشريعة الإسلامية تسير مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ، حيث جاءت لتنظيم الحياة لكافة البشرية ، فقد راعت هذه الفطرة، وشرعت ما ينظم حياة الناس وييسرها بعقود متعددة ومنها عقد الإجارة .
تعريف الإجارة
الإجارة : عقد على منفعة مقابل أجر معين . كان يستاجر شخص سيارة من مالكها للركوب أو بيتا من مالكه للسكن، أو يستأجر شخصا ( عاملا ( للبناء، فـ ( المنفعة ( المقصودة في التعريف، هي الركوب في السيارة ، والسكن في البيت، والبناء من العامل، والأجر الذي يدفع للمالك أو للعامل هو المقابل .
حكم الإجارة
الإجارة جائزة بدلالة الكتاب والسنة
قال تعالى : ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَـٰأَبَتِ اسْتَئجِرَهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَنئجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )) [ القصص ] .
وقد استأجر النبي الله رجلا من بني عدي يوم الهجرة ليدله على الطريق من مكة إلى المدينة المنورة (1) .
أركان وشروط عقد الإجارة
أولا : العاقدان ( المؤجر ، والمستأجر ) ، ويشترط فيهما .
أهلية التصرف بأن يكون كل منهما بالغا عاقلا غير محجور عليه .
ثانيا : المعقود عليه ( المنفعة المراد تحصيلها ) ويشترط فيها مايلي :
١- الإباحة، فلا يجوز أن تكون المنفعة محرمة، مثل تأجير الدكان لاستخدامه في بيع الخمر، أو مطعما لتقديم الخمر والأطعمة المحرمة، أو تأجير السيارة لنقل المخدرات أو الأشياء المسروقة، أو استئجار مجموعة من الناس لاغتصاب أراضي الناس، وأملاكهم.
٢- أن تكون المنفعة معروفة معرفة تامة، فلا يجوز الاتفاق على منفعة مجهولة .
٣-أن يكون المؤجر قادرا على تسليمها، وإذا كانت المنفعة عملا لا بد أن يكون الأجير قادرا على القيام به، ويدخل ضمن اختصاصه، فلا يجوز لمن لا يجيد البناء أن يؤجر نفسه بناء، أو من لا يجيد الخياطة أن يؤجر نفسه خياطا، أو من لا يجيد الحلاقة أن يؤجر نفسه حلاقا .
ثالثا : الأجرة بدل الإيجار ، ويشترط فيها .
أن تكون مالا متقوما أي ( له قيمة) معلوما بالمشاهدة أو الوصف.
رابعا : الصيغة ( الإيجاب والقبول ) وتصح باي لفظ يدل عليها مثل : أجرتك هذه الدار - ويشير إلى الدار المراد تأجيرها - لمدة محددة - شهرا أو سنة - مقابل أجرة قدرها كذا - ويحدد الأجرة - تدفع شهريا، أو عند توقيع العقد، أو نهاية المدة المحددة في العقد بحسب الاتفاق .
الحكمة من مشروعية عقد الإجارة
تدعو الضرورة إلى مشروعية الإجارة إذ ليس كل إنسان يملك دارا يسكنها أو أرضا يزرعها ، أو سيارة يركبها أو ينقل متاعه عليها ، ولا يجيد الفرد كل الصنائع لتحصيل منافعه، ولا يمكن الحصول على كل تلك المنافع عن طريق الشراء، ولا عن طريق الهبة أو الإعارة ، فلا سبيل - حينئذ - لتحصيل كثير من منافع الإنسان إلا بالإجارة .
أنواع الإجارة
تتنوع الإجارة وفقا لتعدد وتنوع الاحتياج كما يأتي .
١ - إجارة العين .
وهي إما ثابتة لا يمكن نقلها من مكانها ، كإجارة البيوت والعقارات المختلفة، أو متحركة يمكن نقلها من مكان إلى آخر، كإجارة وسائل النقل - السيارات الحافلات بحيث يمتلك المستاجر منافعها بعقد الإجارة .
٢ - الإجارة على عمل .
وهي قيام صاحب العمل باستئجار من ينجز له عمله كمن يستأجر العامل للبناء والخياط الخياطة الثوب ، والصباغ لطلاء المنزل، والحمال الحمل متاعه .
الأجير الخاص والأجير المشترك : الأجير الخاص هو : من يتفق معه صاحب العمل على إنجاز عمل معين في وقت معين كان يستأجره للعمل في المتجر ، أو في الحديقة ، وهذا لا يحق له العمل مع غير صاحب العمل في مدة الإجارة إلا بإذنه .
الأجير المشترك وهو : الذي يقوم بنوع من انواع المهن كالنجارة ، والحدادة والخياطة ونحو ذلك ... ، وهذا يجوز له أن يعمل مع غير صاحب العمل ما لم يتفقا على خلاف ذلك.
استحقاق الأجرة
الأجرة هي المقابل الذي يدفعه صاحب العمل للأجير، أو يدفعه المستاجر لصاحب العين المؤجرة، وهي من الحقوق الواجب دفعها لمستحقها، فلا يجوز لمن وجبت عليه تأخيرها أو إنقاصها، أو الاحتيال على مستحقها، وعليه أن يدفعها طيبة بها نفسه .
وتُستَحَقُّ الأجرة بما يأتي :
١- عند انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها ، إذا كان الاتفاق على مدة معينة دون ربط نهاية المدة بنهاية العمل .
٢ - عند الاتفاق على تعجيل الأجرة ، كان يتفقا أن تكون الأجرة مقدما .
٣ - عند إنجاز العمل المتفق على إنجازه في عقد الإجارة إذا كان الاتفاق على عمل غير مقيد بمدة زمنية معينة كمن يطلب من العامل أن ينقل له خمسين كيساً من الأسمنت من المصنع إلى منزله .
٤- عند حلول ميعاد تسليم الأجرة، إذا اتفقا على تأجيل الأجرة إلى أجل مسمى .
واجبات أطراف العقد.
وأطراف العقد إما أجير ) صاحب جهد ) ، أو مستأجر ( صاحب العمل، أو منتفع بالعين ) أو مؤجر ) صاحب عين مؤجرة ) ، وكل واحد عليه واجبات .
أولا : واجبات الأجير ( المستأجر للعمل ) .
١- الدقة في العمل، فلا يجوز له أن يقصر في العمل المطلوب منه، أو يغش، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي الله قال : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يشفته ) (١) ، فإذا اتفق شخص مع تجار ليصنع له دولابا من خشب معين، وبطريقة معينة، فلا يجوز له أن يغير أو يبدل فيما اتفقا عليه أو بنقص شيئا مما اتفقا عليه، وهكذا بقية الأعمال، وإذا اتفق شخص مع الخياط على خياطة ثوب من نوع كذا، فلا يجوز للخياط أن يخيط إلا ما هو متفق عليه .
٢ - المحافظة على المواعيد، فإذا اتفق صاحب العمل مع الأخير على إنجاز العمل في مدة معينة، فلا يجوز له أن يتأخر عن الموعد المضروب، مالم يكن التأخير خارجا عن إرادته، فإذا اتفق صاحب العمل مع العامل أن يبني له غرفة في يومين، ونزل في أحد اليومين مطر أعاق العمل أو مرض العامل، فلا يؤاخذ على تقصيره، لأن الأمر خارج عن إرادته.
ثانياً : واجبات المؤجر :
١- يجب عليه تسليم العين المؤجرة بحالة تمكن المستاجر من الانتفاع بها مالم يتفقا على خلاف ذلك، كان يتفق المؤجر ) صاحب البيت ) مع المستاجر أن يؤجر البيت على أن يقوم المستاجر بصيانته - من بدل الإيجار - والسكن فيه بعد ذلك .
٢- أن لا يستعمل العين المؤجرة في مدة الإجارة، إلا بإذن المستأجر.
٣ - أن لا يطالب المستأجر بزيادة الإيجار في مدة عقد الإجارة .
٤ - ان لا يؤذي المستاجر لإجباره على إخلاء العين المؤجرة قبل نهاية مدة العقد ..
ثالثاً : واجبات المستأجر :
المستأجر إما أن يستاجر شخصا ) اجيرا ) ، أو يستاجر عينا، وفي كلا الحالتين عليه واجبات هي :
أ - واجبات المستأجر تجاه الأجير :
١ - ان لا يحمله مالا يطيق ، أو يشق عليه .
٢ - أن لا يشغله في غير العمل المتفق عليه إلا برضاه .
٣ - أن يفي له بالأجر المتفق عليه دون تراخ أو مماطلة، لقوله الله : ( أنا خصيم يوم القيامة الثلاثة : وفيه ورجل استاجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجرا ) (٢).
ب - واجبات المستأجر للعين.
١- يجب عليه الإيفاء بالأجرة في الموعد المحدد.
٢- أن لا يستعمل العين المؤجرة استعمالا يضر بها ..
٣ - أن لا ينتفع من العين المؤجرة منفعة غير المتفق عليها إلا برضى المالك، فإذا كانت المنفعة المتفق عليها محل بقالة ، فلا يجوز تحويلها إلى مقهى إلا برضى المالك.
٤ - أن لا يؤجرها لآخر إلا برضى المالك .
٥ - تسليم العين المؤجرة إلى المالك غير منقوصة .
الضمان في الإجارة
- العين المؤجرة أمانة في يد المستأجر ، فلا يجوز له التفريط فيها ، أو إتلافها، وإذا تعرضت للتلف، أو للضياع بسب تقصيره ، أو إهماله ، فعليه ضمانها ، ولا يعفى من الضمان إلا في حالة أن يكون الأمر خارجاً عن إرادته ، أو يكون قد استعمل الاحتياطات اللازمة للمحافظة عليها، فمن استأجر سيارة ، ولم يلتزم بإرشادات المرور، وتسبب بصدمة اتلفت السيارة ، أو شيئا منها ، فإن عليه ضمان إصلاحها، ومن استأجر داراً وتسبب بإهماله وتقصيره في خرابها ، أو خراب جزء منها، فعليه الضمان ، وإذا عرض صاحب العمل العامل للخطر فهو الم ، وعليه الضمان ، فمن استأجر عاملا لينقل ! مكان إلى آخر ، وهو يعلم أن الطريق غير آمن، وحدث للعامل مكروه ، فهو ضامن، ولا يعضى من له بضاعة من الضمان إلا إذا كان قد بين للعامل الخطر الذي قد يواجهه.